كان الصحراويون شيعا، تتقاذهم أهواء النعرات القبلية والجهل والتبعية للمستعمر الذي ينهم من معين الصحراويين ويرمي اليهم بالفتات، لم يبني لهم مدارس ولا جامعات كأي مستعمر أوروبى آخر، ولم يعبد طرقا ولم يترك من إرث سوى اليد الطولى التي بقيت تتهب من بعده .
وكان الصحراويون على عهد إسبانيا أمة من الناس لا ذكر لها في العالمين، تتطاحن بينها على أتفه الأسباب وتأخذ منها حرب الثأرات الغوالي في قرن شأة، حتى أزفت لحظة التحول الكبرى، التي ستقلب المعادلة في شمال غرب إفريقيا وتغير وجه أرض الصحراء الغربية وفكر أهلها ولا تتوقف عند توحيدهم فقط، بل تتعدى صرخة التغيير تلك كل الماضي وتُصبح شِبع الأمس أمة واحدة تنظر الى الغد بعين رجل واحد.
وقد هيأ القدر لهذه التحولات العظمى من يقود الزمام، ليس برجل آت من خلف الحدود ولا من أباطرة القوم، لكنه كان أقدرهم على استنطاق المستقبل وتفتيق مكتنزات السياسة .. شق الآفاق المغلقة و بدأت مطرقته تسدد المسمار تلو الآخر في تابوت الجهل المستفحل و التفرقة القاطعة، والركود الفكري الضارب بأطنابه حد الجاهلية الأولى.
في مقتبل العمر يهيء الله وليا من أولياء الصحراء ، شاب يزاوج بين أسباب القيادة الناجحة كلها؛ ملك العلم والفكر والشهامة واكتسب السياسة ونال حظا وفيرا من الشجاعة التي مكنته من إطلاق العنان للتحول الأكبر .طفيت تاريخ الشعب الصحراوي المعاصر.
في 10 ماي 1973 يعلن في إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب (الصحراء الغربية) عن ميلاد الحركة التحريرية الجديدة؛ الجبهة الشعية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، كان الولي ، الأشعث الأغبر صاحب القامة العالية يؤذن ببدء يوم صحراوي مشهود، آن الأوان لجعل شعبنا يحيى كما تحيى الأمم، وليس أقل ذلك أن يعيش في كتف وطن حر جامع يوفر في أكنافه الإزدهار والأمن والرخاء للشعب الصحراوي، الذي تركته إسبانيا تحت خط الجهل والفقر والتهميش زهاء قرن من الزمن.
لقد قاد الولي الشعب الصحراوي نحو هدف واضح، وكان يرى الأمور على حقيقتها ويدرك جيدا مايريد ؛ مصالح الشعب الصحراوي أولا وقبل كل شيء، وصون العهد لحفاء الصحراويون في المنطقة والعالم، ثم عرف كيف يدير شبكة من العلاقات المتداخلة لحركة ودولة ناشئتين، لم يكن يقود من الذيل كما يقال.
وبعد جزيل عطاء في كل الجبهات العسكرية، السياسية والإدارية والفكرية، وسنوات من النضال ضد اسبانيا والمغرب، ارتقى الولي، لكن القدر حين ناداه لم يأخذه إليه كما يأخذ الأباطرة والباذخين، لقد انتقى له يوم 9 من يونيو 1976وتخير له من بين الميادين والسوح و الأماكن كلها ميدان الشرف حيث تزهو الروح وهي تغادر الجسد.
جاء الولي من خاصرة الشعب فقيرا يسعى لتحرير ذلك الشعب المنسي في فيافي الصحراء، ورحل كما جاء فقيرا، لكنه ترك من بعده دولة قائمة وشعبا منظما يملك رؤية وأهدافا مشتركة ومصيرا موحدا، وحين أزفة لحظة رحيله كان في مقدمة الركب يمسك بندقيته بين الطلائع ويذود عن الحمى بكل فخر.
يحيي الصحراويون اليوم ذكرى رحيل شهيد الحرية و الكرامة، الرجل الذي وهب شبابه وأعطى روحه من أجلهم، وهم يتذكرونه اليوم بكل اعتزاز ، لقد أصبح قدوة للأطر المخلصة الحقة التي تنظر الى الثورة على أنها مرحلة بناء تستحق العطاء لا الأخذ، وترتب حروفها بشكل صحيح .
تقبل الله الولي وكل الشهداء وجزاهم عنا كريم الجزاء.
تعليقات
إرسال تعليق