رفض المخزن المغربي يوم الاربعاء الفارط 31 مارس 2021 إستقبال وزير الخارجية الموريتاني محمد إسماعيل الشيخ أحمد، حيث تكفلت الدعاية المقربة من النظام التوسعي بالتبرير وردت الأمر إلى إنتشار جائحة كورونا، ونقلت نفس التبرير "وكالة الأناضول" التركية عن مسؤول بالخارجية المغربية، وبمأن "حبل الكذب قصير"، فقد أستقبل وزير خارجية الإحتلال المدعو ناصر بوريطة يوم الاثنين 05 أبريل2021 وزيرة خارجية السينغال أيستا تال سال بحفاوة كبيرة، في إطار فتح الدكاكيين القنصلية، التي يسعى من خلالها الإحتلال المغربي إلى إطفاء شرعية مصطنعة على إحتلاله لبلادنا، عبر جر دول ضعيفة بالاغراءات والرشاوي والابتزاز لهذا المستنقع، أو المقايضات تجاه دول مثل الامارات وتوابعها (البحرين والاردن)، وهو ما طرح تساؤلات عدة عن مدى مصداقية تبرير تأجيل الزيارة!!!.
إن رفض المخزن إستقبال وزير الخارجية الموريتانية الاسبوع المنصرم، الذي رجحت مصادر حمله لمقترح للوساطة بين الجانبين الصحراوي والمغربي، ثم استدراك دولة الاحتلال للأمر اليوم الثلاثاء، ينظر له على أنه عقاب غير مباشر في حق موريتانيا، بفعل تمسكها بالإلتزام بموقف "الحياد الايجابي"، وهو الحياد الذي جاء ضمنه استقبال الرئيس الموريتاني قبل أيام ( 24 مارس2021 ) لوفد صحراوي رفيع المستوى يقوده عضؤ الأمانة الوطنية البشير مصطفى السيد لنقاش القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين الشقيقين، كما جاء القرار المغربي المفاجئ بعد رفض بلاد شنقيط رمي كل بيضها في سلة المملكة العلوية الإستدمارية، وعدم هرولتها صوب الرؤية المغربية التوسعية، رغم الضغوط والإبتزازات والتهديدات والإغراءات...، حيث تسعي موريتانيا إلى الحفاظ على مسافة " آمنة " من طرفي النزاع في الصحراء الغربية الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية التوسعية، وهو ما يتفهمه الجانب الصحراوي - رغم بعض المأخذ -، ويرفضه الإحتلال المغربي رفضا قاطعا، وهو الذي لا يرى مناصا من جر موريتانيا لتأييد مواقفه الإستدمارية، وأستشاط منه غضبا مؤخرا، عقب تحفظ موريتانيا على خطة مغربية طرحت في لقاء جمع هيئات أركان جيوش البلدين بنواكشوط -الاثنين 21 ديمسبر 2020-، تقضي بتشكيل كماشة عسكرية للضغط على الجيش الصحراوي.
لقد كان لإلغاء ثم إرجاء وإستدراك زيارة رأس الدبلوماسية الموريتانية للرباط وتأخيرها إلى اليوم الثلاثاء 06 أبريل 2021 مفعول عكسي، حيث بدأ الوزير الموريتاني جولته الإقليمية بزيارة تونس والجزائر، فيما يبدو أنه حلف مغاربي أو تنسيق على الأقل بدأ في طور التشكل، يجمع الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا...
إن هذا الإرجاء يوضح النظرة الإستعلائية لدى نظام المخزن التوسعي، والتي لا يرى ولا يقبل فيها أن تكون موريتانيا "بلدا ذا سيادة"، بل يتصورها على الدوام على أنها "بلدا ضعيفا" يجب عليه أن يظل تحت الرعاية الفرنسية والهيمنة المغربية، ويتضح ذلك من خلال محطات عديدة ومنذ أمد بعيد، ومنها رفض الحسن الثاني الإعتراف بموريتانيا منذ إستقلالها 1960، رغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أعترفت بها منذ 27 أكتوبر 1961، وحصلت بعدها على عضوية جامعة الدول العربية عام 1973، فيما أضطرت المملكة المغربية للاعتراف ببلاد شنقيط سنة 1969، بعد سنوات من الحملات الدبلوماسية لكبح الجهود الدولية والعربية تجاه موريتانيا، كما تعتبر أحزاب ومنظمات وهيئات وشخصيات مغربية مقربة من القصر وحتى رسمية الى حد اللحظة سرا وعلنا "أن موريتانيا جزء لا يتجزا من المغرب"!، وليست تصريحات عبدالحميد شباط عنا ببعيد، زد على ذلك دعم المملكة المغربية للسينيغال في المواجهات مع موريتانيا، إضافة لقضايا التجسس الكثيرة التي تورطت فيها أجهزة المخابرات المغربية وأستهدفت المصالح والشركات والمؤسسات الحيوية الموريتانية، وكذا المساعي المغربية لإختراق الجبهة الداخلية الموريتانية من خلال صنع اللوبيات والسيطرة وإحتواء النخب الدينية والسياسية والحزبية والقبلية والإعلامية والإقتصادية والفنية في موريتانيا...، وكذا إستهداف المخابرات المغربية لأمن وإستقرار بلاد شنقيط، من خلال إغراق المنطقة بالمخدرات ودعم عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الارهابية بمنطقة الساحل والصحراء.
ورغم ما حققه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من إبتعاد واضح عن النفوذ المغربي وتحصين المواقف الموريتانية وضمان إستقلاليتها، وفق مبدأ المصالح الوطنية لبلده أولا، مع تنويع التحالفات والاصدقاء، وتحديث الجيش وبناء قدراته، والسيطرة على بعض المناطق الحدودية الرخوة، ولا ننسى هنا نجاح ولد عبد العزيز في كبح الإستفزازات المغربية لبلاده، حيث وفي سابقة لم تحدث من قبل، أجبر الرئيس الموريتاني السابق رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بن كيران على الحضور مذلولا محسورا إلى ولاية تيرس زمور لتقديم رسالة إعتذار من ملك المغرب، عقب تصريحات الأمين العام لحزب الإستقلال عبد الحميد شباط، التي "أعتبر فيها أن موريتانيا جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية"، على حد زعمه، إلا أن هذا المسار أصابه التعطيل أو التراجع على الأقل في عهد الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، الذي أعاد إحياء بعض روابط التبعية التي قضى أو أقله حد منها سلفه.
ومع العلم بعلاقات الرئيس الحالي الجيدة نسبيا مع المملكة المغربية وقرب وزير خارجيته من دوائر الحكم بالقصر الملكي المغربي، وحرص نواكشوط على عدم اغضاب الرباط وتمسكها بالإبتعاد عن إصدار أي مواقف حادة، إلا أن ذلك غير كافي بالنسبة للمملكة التوسعية، التي لم ولن ترضى بموقف "الحياد" إيجابيا كان أو سلبيا، والذي يجده الصحراويين أمرا دون المستوى المأمول، لكنه يحترم ويقدر، ويراه المخزن نزوعا موريتانيا "غير مقبول"! نحو الإستقلالية، وهو ما جعل المخزن يتصرف بعنجهينة وتكبر من خلال رفضه إستقبال وزير الخارجية بشكل مفاجئ ودون إصدار توضيحات رسمية أو إعتذار، وإستدركه للموقف فيما بعد.
إن كل ما سبق يفرض على موريتانيا قراءة خريطة مصالحها جيدا، وإدراكها لخطورة الاطماع التوسعية المغربية التي تستهدف المنطقة ككل بما فيها بلاد شنقيط، ومعرفة النخبة الحاكمة بنواكشوط لحقيقة النظرة الدونية التي تنظر من خلالها المملكة المغربية لبلادهم، والتي لن تستقيم معها العلاقات البينية بين الطرفين، وهو يجعل موريتانيا أمام امتحان صعب، يفرض عليها الحفاظ على خطها السيادي وتمسكها باستقلالية قراراتها الخارجية، تبعا لمبادئها ومصالحها الحيوية، وبذلك تجبر المخزن التوسعي لاحقا على إعادة صياغة مواقفه منها وتعديلها، بما يضمن علاقات متوازنة مبنية على الاحترام المتبادل والندية لا على الهيمنة والتبعية والإستصغار.
بقلم عالي محمد لمين
تعليقات
إرسال تعليق