القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الأخبار

 


 بقلم  بلة لحبيب  أبريكة 

قرر المغرب في الفاتح من مارس من الشهر الجاري في بيان صادر عن وزارة الخارحية المغربية، سرب إلى وسائل الإعلام، عن إيقاف التواصل مع السفارة الألمانية بالرباط وهيئات التعاون والمؤسسات السياسية التابعة لها، بسبب ما يقول أنها "خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية"


ولم تحدد الرباط جوهر الخلاف مع أكبر قوة إقتصادية في أوروبا ،ألمانيا، إلا أن الكثيرين يرون أن الرباط مستاءة من موقف ألمانيا بخصوص قضية الصحراء الغربية.


ويعد قطع علاقات مع سفارة سابقة من نوعها في العلاقات الدولية، حيث المتعارف عليه هو قطع العلاقات الدبلوماسية، إلا أن الرباط لم تتجرأ للوصول إلى هذا الحد. 


الغريب في الأمر أن السفير الألماني في المغرب نفى علمه بالقرار، لأن الرباط، على ما يبدو، لم يطلع الجهات الألمانية بالأمر عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية. وحسب موقع دوتشفيلة الألماني، فإن وزارة الخارجية الألمانية استدعت، يوم الثلاثاء، سفيرة المغرب للإستفسار عن الموضوع ، ما يرجح أنها غير راضية على الأسلوب غير الدبلوماسي الذي تصرف به المغرب. 


الظاهر أن الرباط تريد من خلال هذه الخطوة أن تبعث رسالة مشفرة لألمانيا، بأنها غير راضية على موقفها بخصوص قضية الصحراء الغربية.


خلفيات الخلاف


بدأت مآخذ ألمانيا على المغرب  عقب استقالة الرئيس الألماني الأسبق المبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء الغربية هورست كوهلر في ماي 2019، الذي ترى برلين أن للمغرب قد يكون له سبب فيه. و تولد لدى الدوائر السياسية في ألمانيا الانطباع أن المغرب غير جاد في التوصل إلى حل نهائي لنزاع الصحراء الغربية.


وقد شعرت الرباط بالتهميش على خلفية ما وصفته إقصائها من مؤتمر برلين حول ليبيا شهر يناير 2020، والذي تعتبر المغرب إتفاق الصخيرات مرجعية له. وترى أن استدعاء الجزائر للمؤتمر، والتي تعتبرها الرباط خصما ومنافسا إقليميا، هو استبعاد لها، و إنتقاص من مكانتها ودورها الإقليمي.


وليس هناك شك أن دعوة ألمانيا لجلسة طارئة لمجلس الأمن شهر ديسمبر الفارط - عقب اعتراف ترامب ب "سيادة" المغرب على الصحراء الغربية - أثار حفيظة الرباط. الإجتماع كان الهدف منه التقليل من تأثير إعلان ترامب بشأن "سيادة" المغرب على الصحراء الغربية، وتأكيد تمسك برلين بحل في إطار قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية.


كانت الرباط تعول على أن تحذو أوروبا، أو بعض دولها، حذو الولايات المتحدة، بعد إعتراف ترامب لها ب"السيادة" على إالصحراء الغربية، وأساسا تأييد مقترح الحكم الذاتي كمرجعية للحل.


وترى الرباط أن دعوة ألمانيا لعقد جلسة استثنائية لمجلس الأمن، وابداء موقف صريح مساند لحل في إطار الأمم المتحدة، هو الذي جعل الكثير من الدول الأوروبية تسير في نفس التوجه، وجعل أمريكا تبقى وحيدة في موقفها عندما اتخذ ترامب قراره المعروف.


يمكن القول أن موقف ألمانيا الصريح ، منذ الوهلة الأولى، قلص من هامش مناورات المغرب لإستثمار موقف ترامب بخصوص الصحراء الغربية، و أسهم في أن تظهر الدول الأوروبية موقفا موحدا من القضية.


لم تخفي الرباط استياءها من الموقف الأوروبي - عدا فرنسا- بعد مقاطعة الإجتماع الإفتراضي الذي دعا إليه بوريطة بشأن الحكم الذاتي. وقال في تصريح لوسائل الإعلام عقب الإجتماع، في حسرة شديدة، أن  على أوروبا "الخروج من منطقة الراحة" والإنخراط في النهج الجديد الذي خلقته إدارة ترامب.


ما سر إقدام المغرب على هذه الخطوة ؟


 يبدو أن السبب الرئيسي وراء إقدام الرباط على هذه الخطوة المفاجئة قد يكون له علاقة  بتصريح إدارة بايدن الذي لم يأخذ بالاعتبار توجهات ترامب، و يتقاطع مع موقف أوروبا الداعم  حل في إطار الأمم المتحدة. 


تثير عودة إدارة بايدن إلى العلاقات المتعددة الأطراف multilateralism مع حليفتها أوروبا -التي توليها الإدارة الحالية أهمية قصوى لكبح ما تعتبره تمدد الصين وروسيا- والتنسيق المشترك في مختلف القضايا في الشرق الأوسط: الملف الإيراني، وليبيا، واليمن، والصحراء الغربية مخاوف الرباط من أن تكون لها نتائج عكسية على أطروحاتها بخصوص الصحراء الغربية.


ماذا تريد الرباط من ألمانيا، أو بالأحرى من أوروبا؟


يبدو الأمر واضحا من تصريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي قال أنه يتعين على أوروبا أن "تخرج من منطقة راحتها" وتنخرط في الزخم الحاصل و"تدعم هذا التوجه الدولي"  الجديد، وهو يقصد الإعتراف له ب"السيادة"، و واساسا تبني الحكم الذاتي كارضية وحيدة للحل.


لكن هذا الزخم عرف بعض الركود، إذ لم نقل توقف، بعد رحيل إدارة ترامب، و ثمة تحولات جديدة في ظل إدارة بايدن، قد لا تتماشى مع ما تسعى إليه الرباط.


 من غير المستبعد أن يكون التصريح الأخير للناطق بإسم الخارحية الأمريكية نيد برايس، الذي لم يذكر الحكم الذاتي، وأكد دعمه لحل في إطار الأمم المتحدة، خيب آمال المغرب العريضة.


في ظل هذه التحولات، صار  الحد الأدنى الذي تطمح إليه الرباط من إدارة بايدن هو أن لا تتراجع عن الاعتراف ب"سيادتها"  على الصحراء الغربية، وأن لا تذهب أوروبا في دفع أمريكا إلى تصحيح موقفها من هذه القضية. 


تعتقد الرباط أن موقف أوروبا كان له وقع على إدارة بايدن، وأوقف الزخم الذي خلفته إدارة ترامب. بات من الضروري، من منظورها، وقف أوروبا عن ممارسة الدور "السلبي" الذي تلعبه ضدها، ودفعها باتجاه الحفاظ على موقف ترامب.


 يرى المغرب أنه إذا تمكن من تطويع ألمانيا وثنيها، بشكل أو بآخر، عن لعب ما يعتبره الذهاب بعيدا في مسألة الصحراء الغربية، أن ذلك من شأنه أن يقوض الإجماع الأوروبي، ويسهل استمالة بعض دولها  لصالح أطروحاته.


وإن بدأ هذا السيناريو مستبعدا، قد يكفي المغرب في هذه الآونة الحرجة، التخفيف من موقف أوروبا، بحيث إن لم تتبنى موقف مساند له، على الأقل أن لا تتخذ موقف معارض.


قد لا يكون هدف المغرب من وراء تسريب بيانه نشوب خلاف مع ألمانيا، لكن قد يرغب في تغذية توتر طفيف متحكم فيه، من شأنه أن يفتح قنوات الحوار لحصول تفاهم بين الجانبين أو جعل ألمانيا تكف عن موقفها الذي يراه معاديا له. 


 تسعى الرباط من خلال الخطوة التي اتخذتها أن تثبت لأوروبا أنها دولة قوية ووازنة، تقق بالمرصاد لكل من يمس ب"قضاياها المصيرية"، حتى ولو تعلق الأمر بألمانيا، القوى الإقتصادية والسياسية الكبرى في أوروبا. وفي نفس الوقت، هي إشارة إلى جهات أخرى. وكما يقول المثل العربي، المعنى عليك، وأسمعي يا جارة، إسبانيا.


لا تريد الرباط أن تكون حبيسة وضعها الصعب الذي تمر به عقب خرقها لوقف إطلاق النار ، وتحاول أن تعكس غير ذلك، من خلال اتباع سياسة تصعيدية، بدل أن تكون في موضع الدفاع. وقد تجلى ذلك مؤخرا  في تهجم مندب المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة عمر هلال على دولة جنوب إفريقيا، بسبب مساندتها للقضية الصحراء الغربية، والآن افتعال خلاف مع ألمانيا.


لقد نجح المغرب في السابق في  تطويع السويد، وإسبانيا، وفرنسا، وسحب الثقة من روس، وطرد المكون المدني للمينورسو، وعدم استقبال الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون. 


 يبقى أن نرى ما إذا كان السلوك المغربي سيثني ألمانيا، ويفرض عليها التراجع عن مواقفها من القضايا الدولية، خاصة قضية الصحراء الغربية، أم أن الرباط بفعلها هذا، أطلقت النار على رجلها، وتنتظر أن تهدأ العاصفة التي إفتعلتها، لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها مع برلين.



تعليقات