اعتقد اننا مجبرين جميعا على التريث ولو لوهلة من الزمن
والتراجع بخطوة "الحكمة" الى الوراء وأخذ مسافة أمنة تجاه هذين التيارين
المتصارعين، واللذين إذا ما أستمر صراعهم بشكله
الحالي فإنه سيفكك النسيج الإجتماعي لشعبنا ويضرب مقومات وحدتنا في الصميم، خاصة مع
وصول صراعهم حد المساس بالأمن والطمأنينة العامة والتحريض على الفتنة وهتك الأعراض
والحرمات وهو ما يرفضه المجتمع بطبعه الإسلامي المحافظ، وقد يصل تناطحهم إلى مستويات
أوقح ومستنقعات أنذل واخطر.
ويتمظهر الصراع بين خطان لا يلتقيان، يضم أحدهم تيار
يحتكر "الوطنية" ويلبسها لمن يشاء وينزعها عن من يشاء ويقدس من يحب أن يسميهم
"القيادة" ولايرى لهم أخطاءا تذكر، ويخون من ينتقد الفساد وسؤ الإدارة بحجة
أننا في "حالة إستثنائية" وخوفا من "المؤامرات المغربية" على ما
يقولون، ولا يجد في الواقع المتردئ الملئ بالفساد أي تهديد جدي للقضية الوطنية ولايرى
في محاربته أولوية في هذه المرحلة تحديدا، ويصطنع إنجازات قد تكون في بعض الأحيان وهمية
ويضخمها ويتجاهل مكامن الضعف والإخفاقات ولايذكرها، ويؤيد إستدامة هذا الواقع التعيس
بكل ضعفه وفشله ويعمل على تكريسه.
وفي النقيض، تيار مقابل له يطلق على نفسه "المعارضة"،
ويتحالف مع القبليين وتجار المخدرات والمهربين تارة ومع المليشيات العنصرية تارات وقد
يتماه في جزء منه مع الكيانات الموازية في أحيان أخرى، ويتهم كل من لم يوافقه في الرأي
على أنه "شكام" أو "صفاق" أو "طبال" وغيرها من الإتهامات
السطحية الموغلة في ألفاظ الشارع النابئة، ويتخذ من دعوات التغيير غطاءا له، يقلل من
المكاسب ويقزمها وينفخ في النكبات ويثيرها وينفث في الفتن ويغذيها بل ويصنعها في بعض
الأحيان ولايبحث عن بدائل البتة.
وما اراه مناسبا على الأقل من وجهة نظري الخاصة هو أن
نبتعد عن التموقف والتخندق مع هذا التيار او ذاك وأن نعتزل صرعاتهم ومستنقعاتها المقيتة،
وأن يكون الإصلاح هو شعار الجميع وطريقنا نحو تصحيح المسار وعلاج واقعنا المختل بعد
سنوات من الضعف والسيبة والعجز، مع رفض الفساد وسؤ التدبير والمطالبة بمحاكمة المسؤوليين
العاجزين الفاسدين وطردهم من السلطة مهما كانت مسؤولياتهم ورتبهم، وإحقاق دولة الحق
و القانون وبسط هيبة الدولة وردع المخربين والخارجين عن القانون، مع الضرورة الملحة
للحفاظ على المؤسسات العمومية وحماية المكاسب وصونها ورفض النعرات القبلية مهما كانت
مبرراتها والتصدي لأي مساس بالوحدة الوطنية ورفض الكيانات المزعومة، وإلا فإن بإمكان
هذين التيارين المتشاكسين والمتناكفين صناعة هوة ضخمة في المجتمع الصحراوي تخلق الشرخ
وتعمقه فيما بعد، وتاليا تهدد في المدى المتوسط المشروع الوطني وتصيبه في مقتل، فهل
ندرك خطورة هذا الواقع المتشذي الذي ندفع له دفعا دون أن نشعر؟.
تعليقات
إرسال تعليق