صورة إلتقطتها عدسة أحد مصوري موقع المشهد الصحراوي لأحد مقاتلي الجيش الصحراوي في الشطر المحرر من الجمهورية الصحراوية |
بقلم : البشير مصطفى مفتاح |
انتشار المد التحرري في منطقة العالم الثالث واشتداد
الصراع على مناطق النفوذ السياسي بين مسعكري الحرب الباردة، وبداية ظهور تكتل دول العالم
الثالث (جنوب/جنوب) في بوتقة حركة عدم الانحياز، كلها عوامل ساهمت في توعية سكان الصحراء
الغربية او ما يعرف سابقا باقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب باهمية الدفاع عن حقوقهم
في التخلص من الاستعمار الذي خيم قرابة القرن من الزمن وتحرير ترابهم الوطني والتحكم
في مواردهم بشكل ذاتي. ينحاول في هذا المقال البسيط عرض بعض الحقائق الهامة التي ستغير
رأيك تماما عن ما تعرفه عن النزاع القائم في الصحراء الغربية التي اصبحت مشكلا عالقا
منذ ازيد من اربعة عقود، معطيات يجلها العديد من الاخوة العرب ويعرفها غيرهم من مواطنو
الدول الغربية.
*من العدمية السياسية الى بداية تشكل الوعي السياسي.*
يعود اصل سكان الصحراء الغربية الى قبائل الجزيرة العربية
التي هاجرت الى الشمال الافريقي، واختلطت بنسب بعض القبائل الامازيغية حسب بعض الروايات،
لم تشكل هذه القبائل دولة بفهومها القومي، لكن كانت لديها ادارة لجميع القبائل عرفت
ب "ايت اربعين" التي دافعت عن اقليم الساقية ووادي الذهب ضد جميع الاطماع
التوسعية، حتى سنة 1884 حيث تمكنت اسبانيا من احتلالها وفقا لتقسيمات مؤتمر برلين بعد
العديد من المحاولات الفاشلة.
استمرت فترة الاحتلال الاسباني منذ ذلك الحين الى غاية
سنة 1975 حيث خرجت مجبرة نتيجة المقاومة الشرسة من طرف التنظيم السياسي للسكان الاصليين
للصحراء الغربية، حيث شهدت المنطقة قبل ذلك بخمسة سنوات اولى المظاهرات السلمية
"انتفاضة الزملة التاريخية" المطالبة بتقرير المصير ورحيل الغزو الاسباني
سنة 1970 بقيادة ما يسمى بالمنظمة الطلائعية لتحرير الصحراء الغربية بقيادة الفقيد
سيد ابرهيم بصيري الذي اختطفته اسبانيا ولا يزال مصيريه مجهولا الى يومنا هذا بسبب
قيادته للحركة.
بعد اجهاض مقاومة الحركة الطلائعية ومجابهة المقاومة
السلمية للمتظاهرين الصحراويين بالقمع والرصاص الحي من طرف القوات الاسبانية، ولد ذلك
المزيد من الاحتقان داخل الاوساط الصحراوية في ظل بروز النخب الصحراوية من طلبة وخريجين
وانفتاحها على العالم، كل ذلك اسس لبروز المقاومة الصحراوية في ثوب وحلة جديدين وبنفس
الاهداف والمطالب الا وهي طرد الاستعمار.
*تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي
الذهب واعلان الكفاح المسلح.*
بعد تحسيس السكان بمخاطر الاستعمار واثره السلبي على
عيش السكان الصحراويين، جاء الوقت المناسب لحشد الدعم الشعبي وضمان التفاف الجماهير
على نفس المطالب وتنسيق اعلان خطاب الكفاح المسلح كوسيلة لتصفية الاستعمار الاسباني
من المنطقة، وبعدها مباشرة وبتاريخ نهاية ابريل وبداية ماي 1973، قد شهدت تاسيس الجبهة
الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب( جبهة البوليساريو) متخذة من الكفاح المسلم
والعنف الثوري ، وسيلة من اجل تحرير الصحراء الغربية وبناء دولة مستقلة بعد طرد الاستعمار
الاسباني، رافعة شعار عروبة واصالة الساقية والوادي، حيث اختير اول امين لها السيد
ابراهيم غالي في المؤتمر الاول 10 ماي 1975 بمدينة ازويرات.
ورغم الانقسام الذي شهدته الصحراوية بين مؤيد لمصالح
الاحتلال وبين رافض لوجود الاحتلال أضطر الاسبان للتنازل تحت ضغط المواجهة العسكرية،
وعرض خطة الحكم الذاتي بدل اجراء استفتاء، وهو ما قبل بالرفض التام من طرف جبهة البرليساريو
التي اصبحت الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي.
في الوقت الذي كانت فيه رمال الصحراء الغربية على صفيح
ساخن، كانت الاطماع التوسعية الخارجية بداية للعيان، في النوايا التي اطلقتها الرباط
(المغرب) ونواقشوط (موريتانيا) على مسمع المنتظم الدولي في رفع القضية الصحراوية الى
محكمة العدل الدولية سنة 1974 والحديث في الدوائر السياسية عن مؤامرة مغربية اسبانية
، فرنسية امريكية.
في العالم العربي توجهت دبلوماسية البوليساريو متخذة
من خطاب قرع الابواب وسيلة للتقرب من الدول والحركات التحررية العربية، الا ان الابواب
كانت موصودة بفعل ثنائية الاستقطاب وثقل المصالح بين اسبانيا والدول العربية ثم بينها
والنظام المغربي والموريتاني.
*اتفاقية مديريد، يوم اعطى من لا يملك لمن لا يستحق*
كانت هذه الاتفاقية منعرجا خطيرا في الصراع، ستأسس في
بعد لشرذمة المنطقة ككل لعقود عديدة وستاتي تداعياتها لتحرق الاخضر واليابس وتحول دون
حلم بناء اتحاد ما يسمى بالمغرب العرب كتكتل اقليمي، ففي 14 من نوفمبر 1975 بالعاصمة
الاسبانية مدريد اجتمعت كل من الرباط ومدريد ونوكشوط لتقسيم الكعكة وترك اهلها بلا
نصيب، وفعلا تمت الاتفاقية على ان تتقاسم المملكة المغربية وموريتانية اقليم الصحراء
الغربية، للمغرب النصيب الشمالي المتمثل في الساقية الحمراء ولموريتانيا واد الذهب،
ولاسبانيا حصة الاسد من عائدات الثروات وامتلاك سبة ومليلية المغريبيتين كجدار حصين
يحول بين اسبانيا والمغرب.
وجد الشعب الصحراوي من خلال ممثله الشرعي جبه البوليساريو
نفسه مجبرا لخوض حربا مزدوجة ضد غزوان من طرف جيران اثنان، موريتانيا من الجنوب والمملكة
المغربية من الشمال، حربا شكلت طعنة في الظهر وصدمة كبيرة، سيما في تلك الظرفية التي
لم تندمل فيها بعد جراح المقاومة ضد الاستعمار الاسباني رغم حداثتها وقلة معداتها وافرادها.
اطلقوا عليها المسيرة الخضراء، فلبدت قيوم الصحراء الغربية
سوادا.
يحاول الاحتلال المغربي سنويا ايهام الرأي العام الدولي
بالترويج لما اطلق عليها المقبور الحسن الثاني المسيرة الخضراء، وفي حقيقة الامر فقد
كانت مسيرة سوداء بكل ما تحمله الكلمة من معنى، الاف السجناء اصحاب السوابق العدلية
الذين ضاقت بهم سجون المغرب اكتظاظا، الاف الفقراء الذين مناهم الحسن الثاني بحياة
في جنة الساقية الحمراء ووادي الذهب، حيث تنبت الارض ذهبا ومرجانا، صاحب هذه المسيرة
تجييشا اعلامي ودعاية غير مسبوقة لغزو الصحراء الغربية متخذين من المشاركين في هذه
المسيرة درعا بشريا محمي باسراب من الطيران.
ذات صباح استيقظ السكان الصحراويين على دمار شامل حل
بمداشر الصحراء الغربية بعد ليلة من القصف الدموي، لقد عاش الشعب الصحراوي لحظات مؤلمة
جدا، ستبقى منقوشة نقش الحجر في ذاكرته الجماعية، لقد دبر الامر بليل مظلم، ابادة جماعية
اريد بها ان تنهي حياة الاف المدنيين الصحراويين العزل، في مجزرة من اقوى المجازر الدموية
في التاريخ المعاصر، بدأها الاحتلال المغربي بقصف الطائرات لقنابل محرمة دولة على غرار
النابالم والفسفور، وقصص لمجازر ارتكبت في حق الصحراويين تروى الى يومنا هذا، مقابر
جماعية لاناس على قيد الحياة، ورمي جماعية السكان من مروحيات الهيليكوبتر، تدمير للمنازل،
الاف المختطفين والسجناء، قصص تعذيب واقتصاب للحرمات، كلها احداث مأساوية عاشها الشعب
الصحراوي، نتج عنها نزوح نصف السكان مشيا على الاقدام الى دول الجوار محتمين من قصف
الطيران وبطش الجار، لذلك يطلق الصحراويين على تلك المسيرة بالسوداء.
*حرب الصحراء الغربية، يوم تغلبت صلابة الارادة على
قوة العتاد والدعم السياسي للحلفاء*
مع بدأ المواجهة
المسلحة على الساحة الصحراوية وفي ظل استعداد الاستعمار الاسباني للرحيل والتخلي عن
الاقليم، كانت جبهة البوليساريو على اتم الاستعداد لاعلان قيام الجمهورية الصحراوية
الديمقراطية على التراب الصحراوية لملأ الفراغ السياسي الذي سيحل بعد رحيل المحتل الاسباني،
حيث غادر اخر جندي اسباني الصحراء الغربية يوم 26 فبراير 1976 وبعدها بيوم مباشرة اعلنت
البوليساريو عن قيام الدولة الصحراوية.
لم يكن الممثل الشرعي للصحراويين "جبهة البرليساريو"
لغمة سهلة الابتلاع، في حرب وصفها المقبور الحسن الثاني بجولة اسبوع فقط، بكنها امتدت الى خمسة عشر سنة، وتكبد فيها الاحتلال المغربي
خسائر بشرية ومادية فادحة، انتهت بانساحب الطرف الموريتاني واعترافه رسميا بالجمهورية
العربية الصحراوية، واجبار الطرف المغربي على طلب اتفاق وقف اطلاق النار مع جبهة البوليساريو
سنة 1991، وتنظيم استفتاء للسكان الاصليين للاقليم سنة ، وقد اشرفت على العملية المنظمة
الاممية من خلال بعثتها المعرفة اختصارا "بالمينورسو" اي البعثة الاممية
لتظيم الاستفاء بالصحراء الغربية التي لا يزال المغرب يعرقل عملها باشتراطها ادخال
المستوطنين المغاربة في عملية الاستفتاء.
اعترفت منذ تأسيس الدولة الصحراوية ازيد من ثمانون دولة
من دول افريقيا وامريكا اللاتينية واسيا، وانضمت الى ما يعرف سابقا بمنظمة الوحدة الافريقية
وتعتبر عضو مؤسس للاتحاد الافريقي وكامل الحقوق والواجبات، كما وتسيطر على ما يقدر
بنسبة 27 بالمئة من الاراضي الصحراوية.
ويعيش الشعب الصحراوي مشتت على جزأين، بين جزء وراء
الجدار في الاراضي التي يسيطر عليها الاحتلال المغربي، في حين يعيش النصف الاخر في
مخيمات للاجئين بجنوب غرب الجزائر، بعد ان اجبرته ظروف الاجتياح المغربي على اللجوء
متحميا من قصف الطيران المغربي، وتسير الدولة الصحراوية تلك المخيمات اين تقيم جل مؤسساتها
الادارية ووزاراتها.
القنبلة الموقوتة، هل تنفجر !
بعد مسلسل من المفواضات العبثية التي اشرفت عليها الامم
المتحدة منذ بداية الالفية الجديدة، معلنة عجز بعثتها الاممية لتنظيم الاستفتاء، تعاقب
العديد من المبعوثين الأمميون الى الصحراء الغربية، في اطرف غير متكافئة من حيث الدعم
السياسي لدول مجلس الامن الدولي، حيث تحول فرنسا دون اي تقدم في الملف مستخدمة حق النقض
"الفيتو" في وجه جميع القرارات التي من شأنها تحقيق تقدم في الملف، فقد سبق
وزار الأمين العام للامم المتحدة مخيمات اللاجئين الصحراويين وعبر عن اسفه لاستمرار
ما يعيشه الصحراويين من معاناة تحت وطأة "الاستعمار" وهي العبارة التي اقضبت
الاحتلال المغربي انذاك.
وبالنظر الى الجهود الاممية فتبقى اقرب الى العمل الصوري
في ظل اصطدام جهود المبعثين الاميين بالموقف المغربي المتعنت ومن ورائه دعم حليفه الفرنسي،
واخرها كان مجهود الرئيس الالماني السابق هورست
كولر الذي بذل قصار جهده لتحقيق تقدم في الملف بكن سرعان ما اعلن استقالته في ظروف
جد غامضة اعلنت عنها الامم المتحدة معللة الاستقالة بان دوافعها صحية، لكن ماوراء الحقيقة
بانه ادرك استحالة نجاح مهمته لتقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع جبهة البوليساريو
والمملكة المغربية.
وفي ظل كل هذه التجاذبات وتضارب مصالح الدول العظمى
في ملف الصحراء الغربية، يبقى الضحية الاول هو الشعب الصحراوي الذي طال انتظاره لتنظيم
استفتاء نزيه يضمن له حقه اختيار مصيره بين خياران مطروحان على الطاولة، الاستقلال
وبناء دولته او الانضمام الى المغرب.
وفي تصريح له منذ ايام لقناة الحرة الامريكية عبر الامين
العام لجبهة البوليساريو ورئيس الدولة الصحراوية عن امكانية استئناف حرب التحرير والعودة
للكفاح المسلح في حال استمرار المجتمع الدولي في العجز عن استرجاع حق الشعب الصحراوي
المسلوب في الحرية، تعنت مملكة الاحتلال المغربي في الخضوع للقرارات الاممية التي تدعو
لتنظيم استفتاء للسكان الاصليين للاقليم.
والمؤسف في الامر هو الخطر الذي يهدد أمن وسلام المنطقة
برمتها، تحت ضغط حالة التذمر الشديد لدى الشباب
الصحراوي في مخيمات اللاجئين والمناطق الخاضعة تحت سيطرة الاحتلال المغربي، في ظل غياب اي افاق للحل، ما ينذر بخروج الامور
عن السيطرة في اي لحظة وجر منطقة الشمال الافريقي لشبح الحرب الذي سيكون الخاسر الاول
هم سكان منطقة الشمال الافريقي.
فهل تشتعل من جديد رمال الصحراء الغربية في قضية شعب
ضحية التخاذل وتضارب لغة المصالح.
كانت هذه لمحات اولية موجزة اردنا مشاركتها مع القارئ
العربي بالدرجة الاولى، الى موعد اخر نسلط الضوء فيه على جوانب اخرى لا تقل اهمية عن
قضية الصحراء الغربية، اللغز المعقد بمنطقة الشمال الافريقي.
بقلم : البشير مصطفى
مفتاح
تعليقات
إرسال تعليق